صلوات الله عليهم أجمعين ( الميثاق العظيم)

بسم الله الرحمن الرحيم .. الحمد لله رب العالمين

حمد عبد مفتقر بالكلية الى مولاه والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه وعلى خادم اليتيم مع محبه فيما بحثت فيه مطولاً سوابق العناية الإلهية للحبيب الأعظم صلوات الله عليه وسلاماته , وابراز عنايته جلّ في علاه لحبيبه ومصطفاه وإعلاء شأنه ومكانته عند ربه تبارك وتعالى من أنه أكمل الرسل , وأكرم الخلق على الله , وسيد الوجود , المتفرد بالمكانة

وإن من أعظم مايؤيد تلك المكانة له صلوات الله عليه وسلاماته  ماجاء في ميثاق الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين , وقد وجدت مفيداً  تأطير هذا الميثاق وتبويبه لبيان مرتبته صلوات الله عليه وسلاماته عند الله تبارك وتعالى وعند الانبياء صلوات الله عليهم وعند جميع مخلوقات الله

قال تبارك وتعالى ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ(81) فَمَن تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ( 82 ) (آل عمران )

 إن هذا الميثاق من أعظم وأجلّ وأكمل وأشد المواثيق الربانية ففيه:

نص الميثاق:

تعتبر الآية الكريمة 81 من سورة آل عمران النص الكامل للميثاق والتي انتهت بالشهود عليه

آخِذُ الميثاق:

ربُّ العالمين مالك الملك تبارك وتعالى

المأخوذ عليهم الميثاق:

الأنبياء صلوات الله عليهم وسلاماته خيرة الله من خلقه

المستندات ( الوثائق والنصوص):

هي الكُتب والشرائعُ السماوية المنزّلة على جميع الأنبياء, من لدن سيدنا آدم وحتى سيدنا عيسى على نبينا و عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم , مع ما أعطاهم ربنا تبارك وتعالى من الحكمة الفاصلة التي تميّز بين الحق والباطل

مواد الميثاق:

  المادة الاولى :

تبليغ الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين  لدعوة الله تبارك وتعالى , بحكم مهمتهم كأنبياء , و أن يؤمنَ بعضهم ببعض ، و يصدق بعضهم بعضاً ، وهم كلٌّ واحد, لأن كل مايَرِدهم  هو مِن عند الله تبارك وتعالى , و لايتجزأ ولا يتعارض

 المادة الثانية :

: ومن خلال مسيرة الدعوة الى الله إن أدركوا (أي جميع الأنبياء ) مبعث الحبيب سيدنا محمد رسول الله  صلى الله عليه وسلم  المصدِّق لما جاؤوا به أن يقوموا بمايلي

الإيمان الكامل به ,صلوات الله عليه وسلاماته,  لقوله تعالى : ( لَتُؤْمِنُنَّ بهِ ) . من حيث أنه سيدهم ومتبوعهم  وإمامهم  , وأكملهم وأحبهم إلى الله وأعظمهم منزلة , وقائدهم جميعاً صلوات الله عليهم أجمعين , وأنه عليه الصلاة والسلام خاتمهم , وهو للناس كافة . والإيمان الكامل يقتضي ترك التعاليم التي تلقوها واتباع ماجاء به

نصرته ,عليه أفضل الصلاة والسلام , لقوله تعالى : (  وَلَتَنصُرُنَّهُ ) بأن ينصروه جميعاً بكل الوسائل الممكنة

 المادة الثالثة ( التوثيق):

سؤال من الله تبارك وتعالى للنبيين,لبيان تلقي الميثاق ومعرفة معانيه ومضامينه ومدلولاته وطريق تنفيذه وأخذ العهد به ,  لقوله تعالى : ( قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ)

المادة الرابعة ( الإقرار):

إقرار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالميثاق والاعتراف والقبول  به, بقولهم (  قَالُوا أَقْرَرْنَا)

المادة الخامسة ( الشهادة):

توكيد الميثاق , بالشهادة عليه من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين , في قوله تعالى : (  قَالَ فَاشْهَدُوا    ) . أي اشهدوا وبلغوا الشهادة لأممكم* يقول أهل العلم في تفسير الآية: الشهادة على أنفسهم بمعنى التوثيق والتحقيق ، والشهادة على أممهم بتبليغ ذلك الميثاق

المادة السادسة( الشهادة العظمى):

التوكيد العظيم للميثاق من الله تبارك وتعالى  بقوله : ( وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ )  أي شاهد عليكم وعلى أممكم  وأي ميثاق أعظم وأجلّ واوثق مما شهد عليه ربنا تعالى  مالك الملك ومن بيده مقاليد السموات والأرض وكذلك الأنبياء صلوات الله عليهم وسلاماته خيرته من خلقه

المادة السابعة( شمول الميثاق) :

يشمل هذا الميثاق كافة الأمم, بحكم أنّ الأمم تبَعٌ للأنبياء , وعلى هذا يعتبر الميثاق شاملاً للخلق أجمعين, أي كل البشرية من سيدنا  آدم عليه الصلاة والسلام , وحتى أمة سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام

المادة الثامنة  (نقض الميثاق )( الملحق بالميثاق لحسن تطبيقه) :

قوله تبارك وتعالى في الآية 82 من سورة آل عمران ( فَمَن تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )(82)   وهذه الآية الكريمة كما  أجمع المفسرون هي بحق الأمم وليس الأنبياء صلوات الله عليهم وسلاماته, وهذا المعنى يؤّيد المادة السابعة بشمول الميثاق الأنبياء وأممهم جميعاً , و يفيد تتابع أخذ الميثاق بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام  , لكونهم ليسوا بفترة واحدة

المادة التاسعة ( بيان  التطبيق العملي للميثاق):

 أي أنه ما من نبيّ من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام , إلّا عنده علم  بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم , مبعثه وزمانه ومهاجره وعلاماته وأوصافه صلى الله عليه وسلم  وعلى هذا فإنه من تطبيقات الميثاق الرباني أنه عندما يريد نبيّ من الأنبياء الذهاب عن قومه ولو لفترة قصيرة , أن يوصي قومه بأنه إذا ظهر نبيّ اسمه محمد صلى الله عليه وسلم فعليكم ترْك  ما بلغتكم  به, واتباع ماجاء به محمد عليه الصلاة والسلام, أي الإيمان به , وتعملون على نصرته بكل الوسائل

المادة العاشرة (إنتهاء العمل بالميثاق):

يُفْهم من النص أن العمل ينهى بهذا الميثاق في اللحظة  التي يتم بها الحبيب المصطفى صلوات الله وسلاماته عليه أربعين عاماً مباركاً أي لحظة بداية رسالة  سيدنا محمد رسول الله  صلوات الله عليه وسلاماته

المادة الحادية عشرة ( حفل الانتهاء من  العمل بالميثاق بعد تنفيذه على أكمل وجه على سطح الأرض):

دعى الله عزّ و جلّ بالكيفية التي شاء بها جميع أرواح الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وجمعهم في بيت المقدس لشهود حفل الختام بالطريقة الربانية وإبراز العبودية التامة الكاملة لله تبارك وتعالى

والتي بدأها الله عز وجل بقوله سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله

ومراسم الاحتفال شملت قيام الحبيب وسيد الوجود والذي أعلن الميثاق لأجله سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إماماً بالأنبياء جميعاً أهل الميثاق والذين طبقوه وعملوا به كما أمرهم ربهم تبارك وتعالى بكل طاعة وعبودية وصلى بهم جميعاً

   وتحمل هذه الإمامة في هذه الصلاة التي أُديت في آخر نقطة في الإسراء على الأرض وأول نقطة في المعراج باتجاه السماء  أموراً كثيرة منها :

   أ – تفرّد صلى الله عليه وسلم برتبته في الأرض

   ب – علو مرتبته في السماء

( أي أكمل الأنبياء صلوات الله عليه وعليهم أجمعين ،  على سطح الأرض وأعلاهم  مرتبة في السماء )

  ج – تكريم لجميع الأنبياء بشهود معنى التبعية له صلى الله عليه وسلم والأولوية منه لهم صلوات الله عليهم اجمعين

  د – إظهار معنى الصلاة العظيمة  وأي صلاة أشرف وأكرم من أن الإمام فيها النبي الكامل وسيد الوجود والمصلين خيرة الله من خلقه الانبياء  صلوات الله وسلاماته عليهم وأحسبها أكمل الصلوات عبودية وإيماناًوطاعةً وتسليماً لله تبارك وتعالى

المادة الثانية  عشرة  ( تطبيق الشهود يوم القيامة – تفرّد رتبته صلى الله عليه وسلم  في موقف الحساب):

إشتدت الأمور على الخلق وهم يرجون التعجيل بالحساب في ذاك الموقف  يظهر سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم  وبمرأى من الوجود كله ، الأنبياء جميعاً، وأممهم وأمة الحبيب صلى الله عليه وسلم ( كل من شهد المواثيق الربانية في الوحدانية والربوبية ) ،  ليقول في ذلك الموقف

العظيم  أنا لها أنا لها  …… إنه صلى الله عليه وسلم الثابت الوحيد في ذاك الموقف وهو المقام المحمود  .**(ى2)

 المادة الثالثة عشر ( الشهودان):

 بعد هذا العرض الموجز لمواد الميثاق وملحقه وبيان كل شيء استنتج أن :

        – شهادة الأنبياء للنبي عليهم الصلاة والسلام ، إيماناً ونصرةً ، في الدنيا 

           –  وشهادة سيدنا محمد رسول الله للأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين ، تبليغاً ،  في الآخرة 

المادة الرابعة عشر( شواهد قرآنية أخرى  على الميثاق):

 إن  من بعض معاني الميثاق أنه عليه الصلاة والسلام أولى الناس بالأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين

             قال جل شأنه ” إنّ أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا معه والله ولي المؤمنين “(الآية ٦٨/آل عمران)

المادة الخامسة عشر (شواهد نبويّة شريفة على الميثاق بنفس السياق):

         ١ً – قال الإمام أحمد في مسنده : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ يَعْنِي ابْنَ صَالِحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ الْكَلْبِيِّ، عَنْ عَبدِ الأَعْلَى بْنِ هِلَالٍ السُّلَمِيِّ، عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنِّي عند اللهِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُنَبِّئُكُمْ بِأَوَّلِ ذَلِكَ دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى بِي، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ، وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ النَّبِيِّينَ تَرَينّ .

 ( حديث صححاه ابن حبان والحاكم)

      ٢ً – وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إني عند الله لخاتم النبيين وإن آدم عليه السلام لمنجدل في طينته” له شاهد من حديث ميسرة الفجر السالف  ، بلفظ قال: قلت: يا رسول الله متى جُعلت نبياً؟ قال: “وآدم بين الروح والجسد” وإسناده صحيح

      ٣ً  – عن ابن عباس رضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَه؟ فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِيهِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا فَنَحْنُ نَصُومُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ”. فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَ بِصِيَامِه”(رواه البخاري )

      ٤ً- وعن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : ” أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى والآخرة ، الأنبياء أخوة من علات ، وأمهاتهم شتى ، ودينهم واحد ، وليس بيننا نبي ” . متفق عليه

قال العلماء : أولاد العَلَّات بفتح العين المهملة وتشديد اللام : هم الإخوة لأب من أمهات شتى . وأما الإخوة من الأبوين فيقال لهم أولاد الأعيان

قال جمهور العلماء : معنى الحديث أصل إيمانهم واحد ، وشرائعهم مختلفة ، فإنهم متفقون في أصول التوحيد ، وأما فروع الشرائع فوقع فيها الاختلاف

   المادة السادسة عشر (نصيب أمة الحبيب صلوات الله عليه وسلاماته بعد الميثاق وشهادتهم على الناس):

إن من نصيب أمة الحبيب صلى الله عليه وسلم أنّ  الميثاق يدل على علو رتبته , وهو منّة من الله تبارك وتعالى للأمة المحمدية وهو أكمل الرسل وأحب الوجود إلى الله تبارك وتعالى وأي نصيب أوفى للأمة من عِظم شرف نبيها

            قوله تعالى : ” لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين “( الآية ١٦٤/آل عمران)

 شهادة النبيّ عليه الصلاة والسلام وشهادة أمته على الأمم السابقة: 

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٤٥)/ الاحزاب

          قوله تعالى : ( شاهداً ) قال سعيد عن قتادة : ( شاهداً ) على أمته بالتبليغ إليهم ، وعلى سائر الأمم بتبليغ رسلهم .

         وقال تعالى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) البقرة/143 .

         جاءت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية تبين أن المراد من قوله تعالى : ( أمة وسطاً ) أي : عدلاً خياراً  وأن المراد من الشهادة على الناس : الشهادة على الأمم يوم القيامة أن رسلهم قد بلغوهم رسالات الله . ولم تخرج كلمات المفسرين عن ذلك المعنى

 ومن أمثلة ذلك على الشهادة :

      – روى البخاري  عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُدْعَى نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلام يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ : هَلْ بَلَّغْتَ ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ ؛ فَيُدْعَى قَوْمُهُ فَيُقَالُ لَهُمْ : هَلْ بَلَّغَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ أَوْ مَا أَتَانَا مِنْ أَحَدٍ , قَالَ : فَيُقَالُ لِنُوحٍ : مَنْ يَشْهَدُ لَكَ ؟ فَيَقُولُ : مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ , قَالَ : فَذَلِكَ قَوْلُهُ : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) قَالَ : الْوَسَطُ الْعَدْلُ ) وزاد أحمد  : ( قَالَ : فَيُدْعَوْنَ فَيَشْهَدُونَ لَهُ بِالْبَلاغِ , قَالَ : ثُمَّ أَشْهَدُ عَلَيْكُمْ

        – وروى الإمام أحمد  وابن ماجه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَجِيءُ النَّبِيُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَهُ الرَّجُلُ , وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّجُلانِ وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَيُدْعَى قَوْمُهُ فَيُقَالُ لَهُمْ : هَلْ بَلَّغَكُمْ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ : لا فَيُقَالُ لَهُ : هَلْ بَلَّغْتَ قَوْمَكَ ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ , فَيُقَالُ لَهُ : مَنْ يَشْهَدُ لَكَ ؟ فَيَقُولُ : مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ ؛ فَيُدْعَى مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ ؛ فَيُقَالُ لَهُمْ : هَلْ بَلَّغَ هَذَا قَوْمَهُ ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ؛ فَيُقَالُ : وَمَا عِلْمُكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ  جَاءَنَا نَبِيُّنَا فَأَخْبَرَنَا أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا , فَذَلِكَ قَوْلُهُ : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) قَالَ : يَقُولُ : عَدْلا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) .

 قال ابن جرير الطبري في تفسير الآية :

” فمعنى ذلك : وكذلك جعلناكم أمة وسطاً عدولاً , شهداء لأنبيائي ورسلي على أممها بالبلاغ أنها قد بلغت ما أمرت ببلاغه من رسالاتي إلى أممها , ويكون رسولي محمد (صلى الله عليه وسلم) شهيداً عليكم بإيمانكم به , وبما جاءكم به من عندي “

 المادة السابعة عشر ( تهيئة البشرية لاستقبال سيد الأنبياء بالإيمان  والنصرة) :

لعلّ من مضامين الميثاق ونوع التشريعات السماوية المتتالية ، تعوّد البشرية على التكليف الإلهي .وقد  استغرقت البشرية حتى تحصَّل لها الفهم عن ربها منذ خُلقت إلى  لحظة إقرأ … عندها  اكتمل استعداد البشرية لتلقي الدين الكامل عن النبي الكامل صلى الله عليه وسلم .

ولايخفى على أحد تدرج التشريع الإلهي وتنوعه حتى وصلت البشرية  إلى تلك المرحلة .

ومن أمثلة تدرج التشريع : 

       ١ً  –  قوله تبارك وتعالى : وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ۚ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58)/البقرة

       ٢ً – وقوله تعالى أيضاً : فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ ” (الآية 249/ البقرة ) ………..

  المادة الثامنة  عشر ( تمام إبلاغ البشرية كلها) :

بعد ذكر الآيات الكريمة والأحاديث النبويّة الشريفة في التبليغ والشهادة , وصلنا الى تمام إبلاغ البشرية والشهادة عليها من سيدنا آدم عليه الصلاة و السلام الى قيام الساعة أي

 ١ – المرحلة الأولى :من عهد سيدنا آدم وحتى سيدنا عيسى عليهما السلامفي الميثاق العظيم : شهادة الله تبارك وتعالى, وشهادة الأنبياء من لدن آدم حتى عيسى عليهم الصلاة والسلام لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم  بالنبوة(الإيمان والنصرة ) (متضمناً الأنبياء وأممهم )

 ٢ – المرحلة الثانية: من مبعث الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى قيام الساعة

(شهادة النبي عليه الصلاة والسلام للأنبياء جميعاً (ولهذا فسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام أولى بالأنبياء جميعاً من أممهم

وشهادته صلى الله عليه وسلم لأمته  ( وكأن شهادته عليه الصلاة والسلام تعادل شهادة جميع الأنبياء وتزيد ) ، وكذلك شهادة أمة النبي عليه الصلاة والسلام للأمم السابقة كلهم ( وكأني بأمته صلى الله عليه وسلم , بكرامته على الله , تعادل الأمم السابقة كلها و تزيد

   :الآن اكتمل الميثاق العظيم وماتلاه , للبشرية كلها . وما أعظم الآية الكريمة التي لخصت الوجود البشري من لدن آدم حتى قيام الساعة

آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥)/ البقرة

اللهم أكرمنا بصحبة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الجنة ، وأنْعِم علينا بسرور نبينا صلى الله عليه وسلم وهو يشهد علينا بخير الأعمال وأحبها اليك يارب

تحميل