بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين المنعم المتفضل والصلاو والسلام على الحبيب المصطفى والنبيّ المجتبى وعلى آله

وصحبة وعلى خادم اليتيم مع محبه

ومضة عملية في رعاية

 كنت أراجع تقارير الإشراف الأسبوعية كالمعتاد  ، المرفوعةَ من قبل المشرفين والمشرفات  للتدقيق والمتابعة لحالة الايتام وتأمين طلباتهم وابداء الرأي في حل مسائلهم إن وجدت . وإذ أصادف فقرة في تقرير إحدى المشرفات الفاضلات  وتقول فيها : إن اليتيمة فلانة ستعتذر عن تقديم الإمتحان النهائي للمرحلة الإعدادية ( الكفاءة ) بدون تعليل

هزني ماقرأت ونحن في منتصف شهر آيار /مايو وبقي للإمتحان النهائي حوالي خمسة عشر يوماً تقريباً ، وأعلم يقيناً من خلال المتابعة لهذه اليتيمة خلال العام الدراسي أنها متفوقة جداً وقد نالت بنتيجة إمتحان الفحص النصفي الأول تقريباً علاماتٍ تامةً بما فيها اللغة العربية والرياضيات والانكليزي ووو

حقاً ذهلت للموقف ولم أر أي سبب يدفع تلك الفتاة اليتيمة للإعتذار , رجوت المشرفة الحضور للمكتب لمناقشة هذا الأمر الجلل

فعلاً حضرت وكانت المفاجأة أن السبب الذي يدفع اليتيمة لإعلان ذلك هو  اللباس  نعم  اللباس  , حيث قالت لمشرفتها لقد كنت مستترة بلباس المدرسة الرسمي خلال الأعوام الثلاثة ، لكن كيف بي أن أحضر الإمتحان النهائي  بنفس اللباس والجميع يلبس ماشاء من مظاهر هي أكثر ثراءً من مظهر العيد نتيجة أن القانون يسمح باللباس الحر في مناسبة الامتحان النهائي  . كانت ردة فعلي سريعة جداً وأسرعَ مما تتخيل المشرفة الفاضلة

قلت لها لقد ساق الله إلينا ومضة مميزة  وهي مشروع لباس الامتحان  نعم مشروع لباس الامتحان  , ورجوت الأخوات الإداريات التعاون الفوري مع المشرفين والمشرفات بإعداد قائمة  بأسماء الطلاب والطالبات  في مرحلتي الامتحان للثالث الإعدادي والثالث الثانوي ( البكالوريا ) وأذكر جيداً أن العدد كان 22 طالباً وطالبةً

دَعيتُ لإجتماع عاجل في اليوم التالي للمشرفات اللتي يشرفن على اليتيمات  . وكنت ليلاً قد زرت رجلاً فاضلاً معروفاً  بلهفته للخير وقلت له لدي مشروع جديد وشرحت له الفكرة فأعطاني كلفة اللباس كله .

حضرت المشرفاتُ الإجتماع وقلت لهن سنبدأ بمشروع جديد إعتبارا من اليوم إن شاء الله تعالى  ، وفي كل عام أيضاً  باسم مشروع لباس الامتحان  وقدمت الكلفة لهن جميعاً ، الحق أن القليل منهن من تفاعلت مع المشروع للوهلة الأولى  ومنهن من قال بغير حضوري ماذا يعني مشروع لباس الامتحان نعرف لباس العيدين ؟

علمت بتلكؤهن  فقلت لهن إن أحببتن أن تستشعرن عِظم المعنى  المرافق  للتنفيذ  فإنه  أمرٌ سيكون في سيرتكن الحياتية الى يوم القيامة وإلاّ فأنتن موظفات براتب جيد عليكن تنفيذ التعليمات حسب الترتيب الوظيفي

 : ووضعنا جميعاً خطة على النحو التالي

   تتصل المشرفة  باليتيمات  وأمهاتهن أو من تقوم مقام الأم أصولاً تحدد  موعداً لقدومها  إلى  منزل اليتيمة على أن تهيء اليتيمة وأمها نفسيهما للذهاب فوراً في مشوار قصير  –

 يتم الذهاب بسيارة المشرفة إن وجدت أوسيارة  أجرة . تصل البيت ثم تصطحب اليتيمة ومن معها مخيرة إياهما إلى أي محلات بيع الثياب تردن الذهاب لنشتري لباساً  –

  هناك يتم الاختيار المطلق لليتيمة بأن تختار ماتشاء من اللباس بمبلغ معين يُعلن لصاحب المحل عند الدخول من قبل المشرفة  –

 بالنسبة للفتيات اليتيمات كان شرطي أيضاً شراء اكسسوارات لهن بمبلغ ايضاً معين . تم تنفيذ المهمة بأقل من ستة ساعات للجميع والحمد لله . قدمت المكتب في اليوم التالي بعد التنفيذ ومن برنامج ذاك اليوم من المفروض أن تتواجد مشرفتان على الأكثر كمناوبة من أجل الإجابة عن أي سؤال من قبل الأرامل الزائرات أو المتبرعين . المفاجأة الثانية وفعلاً التي وضعتني في حيرة لثواني أن معظم المشرفات إن لم نقل الجميع يتواجدن في المكتب وعلى غير برنامجهن وهن باكيات ، وطلبن فوراً اللقاء معي مالخطب ماذا جرى الأمر عظيم الى هذه الدرجة

:  قلن نعم إنه أمر عظيم وأعظم من أن يتخيله المرء بحياته

 نعتذر الى الله أن لم نتجاوب للوهلة الأولى مع الفكرة ولم نبد الحماسَ اللازم  ولم نستشعر المعاني  المنبلجة عن التنفيذ  –

  إن مشهد الفتاة اليتيمة وأمها وهي تختار اللباس  مشهد لايمكن وصفه ابداً سيل من البكاء الذي لايتوقف وهو بكاء فرح وفرحٍ كبير  نعم ياأمي الآن سأحضر الإمتحان . نعم مثلي مثلُ غيري وربما أفضل من الكثير من الفتيات   –

. أحببت أن أغرس معنى اغتنام الفرص التي تأتي إلينا ولم تخطر لبال احد ، ليكن هذا مشروعنا سنوياً ، ولنستعد له ، ولنمهد له بطيب الكلام مع اليتيمات من باب التشجيع . والحمد لله على كرمه ومنته أن ساق لنا هذا الخير

 . وقلت بنهاية الأمر إن المشهد الذي أبكاكن من بكاء فرح الفتيات اليتيمات والله لتعجز حروف اللغة التعبير عنه ، لأن الحروف مهما حملت من اصطفاف عاجزة عن الدخول الى عالم المشاعر فذلك مقياس ليس له حد

النتيجة : ذهبت الفتاة  اليتيمة للإمتحان ونالت 308 من 310 ومضت  بفضل الله في تفوقها في السنوات التالية ونالت في امتحان الثانوية العامة درجة اذكر 289 من  290

ملاحظة هامة : وللفتيان الايتام أيضاً النصيب  ذاته من اللباس والفرح  لكن أفردت الحديث عن الفيتات اليتيمات لأن إحداهن كانت السبب في هذا الخير

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وعلى خادم اليتيم مع محبه

والحمد لله رب العالمين

تحميل المقال